إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
فتاوى في المسح
40546 مشاهدة
مقدمة الطبعة الثانية

الحمد لله الذي سهل طريق العبادة، ورفع عن الأمر الآصار والأغلال كما أراده، وأكمل لنا الدين وأغنانا به عن النقص والزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعظم بها من شهادة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه، الذين جاهدوا في الحق حق جهاده.
وبعد:
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة إباحة المسح على الخفين، لما في ذلك من التيسير على العباد، والوقاية من أضرار البرد الشديد. وقد انقسم الناس فيه إلى ثلائة أقسام:
الأول: أنكروه وضللوا من فعله، وهم طوائف كثيرة، سيماهم البعد عن السنة، فحكم السلف عليهم بالابتداع وإنكار السنة المتواترة التي هي من محاسن الدين.
والقسم الثاني: تساهلوا في ذلك وخرجوا عن الحد المحدود، فأحقوا بالخفاف لفائف وخرقا وجوارب شفافة وأحذية غير ساترة، ومسحوا على ما يسمى بالشراب، ولو كان مخرقا ورقيقا لا يحصل به الستر ولا الوقاية من شدة البرد ونحوه، فوقعوا فيما يبطل طهارتهم عند الجمهور وما لا يجوز المسح عليه عند جميع الأئمة.
والقسم الثالث: توسطوا واتبعوا ما جاء به الدليل. ولما ظهر إنكار الرافضة والإباضية في هذا الزمان على من يمسح على الخفاف ونحوها رد عليهم أهل السنة وأوضحوا كل ما أشكل أمره، وبينوا الأدلة على ذلك، ولكن لما كثر بيننا الذين تساهلوا في المسح على الجوارب ولو شفافا أو مخرقا استلزم ذلك البحث عن حكمه، وقد اتضح لنا أن جواز المسح علي الجوارب خاص بالإمام أحمد وأن غيره اشترط كونه صفيقا تحصل به التدفئة، وغيره اشترطوا أن يكون منعلا وأن يمكن المشي فيه وحده، وأن لا يخرقه الماء، وأن الإمام أحمد اشترط كونه صفيقا تحصل به التدفئة، وكونه يثبت بنفسه، وكان المعروف إمكان المشي فيه وحده، وعدم الخرق فيه.
وقد اتضح أن المسح عليه مع عدم الشروط لا يرفع الحدث، وقد أخذ بعض المشايخ بالرخصة في المسح على الخف المخرق، كما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وجهلوا أن كلام شيخ الإسلام في الخفين لا في الجوارب، وأن الجوارب في عهده كانت صفيقة وفي أسفلها رقعة من جلد، وأن هذا الشراب لباس جديد مثل الفانيلة والكنادر والشباشب والتليك ونحوها من المسميات الجديدة.
وقد كتبت في المسح هذه الأجوبة وبحثت في السؤال الخامس عن الجوارب، وذكرت مختصر كلام الفقهاء فيها، وتكلمت في السؤال التاسع والثلاثين عن الخف المخرق، وعن الفرق بينه وبين الشراب.
وقد طبع هذا الكتاب لأول مرة بإشراف الشيخ الدكتور طارق بن محمد الخويطر وها هو الآن يعاد طبعه بعد تصحيح وإضافة؛ رجاء أن ينفع الله به من أراد به خيرا، ونسأل الله أن يوفق المسلمين لتطبيق الشريعة والعمل بتعاليم الإسلام، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويصلح أحوال المسلمين في كل مكان، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين